في القرى اللبنانية القديمة، كانت قراءة الكف جزءًا من طقوس السهرات، تمامًا كما كانت التبصير بالفنجان حديث النساء في العصاري. وكانت “القارئة” تُمسك اليد برفق، كأنها تمسك قطعة من حياة الشخص، ثم تنظر في الخطوط كمن يقرأ كتابًا مفتوحًا، وتبدأ الحكاية.
فاللبنانيون كانوا يؤمنون بأن اليد تحمل أسرار صاحبها: طبعه، رزقه، صحته، وحتى ما يُسمّى طريق العمر. ومن هنا بدأت الأسطورة.
خط الحياة… خط القدر… خط القلب
تروي الجدّات أن خط الحياة هو أول ما تنظر إليه القارئة. فإذا كان قويًا، قالت إن صاحبه “طويل العمر”، وإذا كان متعرّجًا أضافت بحكمة: “دربو مش سهل، بس الله ستر”.
أمّا خط القلب فيكشف — بحسب المعتقد الشعبي — طبيعة الشخص العاطفية:
- العريض يدلّ على عاطفة قوية
- المتقطّع يعني مشاعر خجولة
- والمنحني “قلبه رقيق”
ثم يأتي خط القدر الذي كان يُقال عنه إنه يشبه الخيط الذي يربط الإنسان بأيامه المقبلة، وهذا الخط بالذات كان يُشعل الفضول والسؤال.
الأصابع… لغة ثانية
لم تكن القراءة محصورة بالخطوط، بل كانت القارئات اللبنانيات ينظرن إلى:
- سُمك الأصابع
- شكل الأظافر
- المسافة بين الأصابع
ويُقال إن الإصبع الأوسط يرمز للقوة، والسبابة للقيادة، وأن شكل الإبهام يكشف “عناد الشخص وشطارته”.
وفي الكثير من الحكايات الشعبية، كانت القارئة تقارن بين الخطوط وما تقوله الأحلام وتفسيرها في الثقافة اللبنانية، لأن التراث كان يرى أن اليد والحلم كلاهما “لغة الروح”.
قراءة الكف… بين الخوف والفضول
ورغم بساطة هذه العادة، بقيت محاطة ببعض الحذر. فاللبنانيون كانوا يعتقدون أن كشف كل شيء “مش دايمًا لصالح الإنسان”، وأن هناك أمورًا لا تُقال كي لا تجلب “العين والحسد” — خصوصًا أن الحسد نفسه كان جزءًا من تراث آخر مرتبط به، تمامًا كما تتداخل معتقدات العين والحسد ومعتقدات الحماية مع كل تفاصيل الحياة اليومية.
الطقس الاجتماعي والهوية
لم تكن قراءة الكف مجرد محاولة لمعرفة المستقبل، بل كانت مساحة للبوح.
امرأة تروي وجعها… شاب يسأل عن رزقه… امرأة تخشى فراقًا…
كل يد كانت تحمل قصة، وكل خط كان يذكّر بالجملة اللبنانية الشهيرة:
“هون مكتوب دربك… والباقي عالله”.
وهكذا بقيت قراءة الكف جزءًا من المخزون الشعبي، تمامًا مثل النذور والوعود والتقاليد القديمة التي تتكرر في كل جيل وتنتقل بالقصص.
هل قراءة الكف حقيقة أم تراث؟
اليوم، يرى كثيرون أن قراءة الكف ليست علمًا ولا حقيقة، بل جزء من الحكاية الشعبية اللبنانية، مثل الأمثال القديمة أو قصص وأساطير من الريف اللبناني، التي تُحكى لتمنح الحياة نكهة ودفئًا.
لكن مهما تغير الزمن، تبقى اليد كتابًا مفتوحًا…
وتبقى القارئة اللبنانية قادرة على تحويل الخطوط إلى حكاية حلوة، أو نصيحة بسيطة، أو ضحكة تخفّف عن القلب.