الأمثال اللبنانية ومعانيها: ذاكرة الشعب وحكمته

مقدمة

منذ مئات السنين اعتمد اللبنانيون على الأمثال كوسيلة للتعبير عن تجاربهم اليومية، وعن حكمٍ وحقائق صاغوها بكلمات قليلة لكنها قوية. لم تكن الأمثال مجرد جُمل، بل “ذاكرة” تنتقل من جيل إلى جيل، تمامًا كما انتقلت طقوس النذور وعادات العين والحسد وطقوس قراءة الفنجان في المجالس الريفية.

الأمثال كانت بمثابة “دستور شعبي” يعيش مع الناس، يُطلق في المناسبات، ويُنقذ من الحرج، ويقوّي الهمّة، ويبرّر المواقف.


كيف وُلدت الأمثال اللبنانية؟

ولادة المثل لم تكن صدفة…
كانت لحظة رواية، أو موقفًا محرجًا، أو قصة حدثت في قرية، فأطلق أحدهم كلمة ذكية فانتشرت. يردّدها الناس لأنها تلخّص تجربة حقيقية عاشها المجتمع.

مثلاً:

  • “كل شي بوقتو حلو”
    وُلد من مراقبة الفلاح للمواسم، حين يعلم أنّ لكل شيء وقتًا لا يصلح قبله ولا بعده.
  • “الغايب حجّتو معو”
    ظهر في المجالس القديمة عندما يتأخر شخص عن موعده ويبدأ الناس بتبرير غيابه حتى دون أن يعرفوا السبب.

أشهر الأمثال اللبنانية ومعانيها

1) “العين بصيرة والإيد قصيرة”

هذا المثل يلخّص مرارة الرغبة في شيء دون القدرة على تحقيقه.
يُستخدم عندما يريد الشخص شيئًا، يرى الحل أمامه، لكنه عاجز عن الوصول إليه.
ظهر غالبًا في سياقات الفقر وضيق الحال.

2) “اتقِ شرّ من أحسنت إليه”

نابع من تجربة اجتماعية متكررة: أن يُقابل الإحسان بالجحود.
كان يُستخدم للتحذير، وخصوصًا في المجالس التي تتداول قصص الخيبة.

3) “أعطِ الخبز لخبّازه ولو أكل نصّه”

يعكس تقديس اللبناني للخبرة والحرفة، خصوصًا في مجتمع كان قائمًا على الحرفيين والفلاحين.
يُستخدم حين يتدخل شخص غير مختص في عمل لا يُتقنه.

4) “جَمل المحامل”

يعبّر عن الشخص القادر على تحمّل الصعاب، ويعود إلى البيئة الريفية حيث كانت الجمال تتحمّل أثقل الأحمال.

5) “مين شبَه أبوه ما ظلم”

يدل على تأثير التربية والوراثة في السلوك.
يُستخدم غالبًا للمزاح والعتاب اللطيف.

6) “يا جبل ما يهزّك ريح”

واحد من أشهر الأمثال اللبنانية.
الجبال رمز الثبات، والريح رمز التغيير والمصاعب.
وقد استُخدم في فترات الحروب والنزاعات ليؤكّد صلابة الناس.


الأمثال كأداة في العلاقات الاجتماعية

كانت الأمثال تُقال لتلطيف الأجواء، أو لتوجيه رسالة دون مواجهة مباشرة.
في جلسات قراءة الفنجان، مثلًا، قد تستخدم الحكواتية مثلًا شعبيًا لتهدئة الخائف.
وفي مجالس تفسير الأحلام، قد يُقال مثل مثل:
“الحلم ببلاش… والتفسير بفلوس”
وهو مثل شعبي ساخر يشير إلى كثرة المفسرين واختلافهم.


الأمثال بين الماضي والحاضر

ورغم تغيّر الزمن، ما زال المثل اللبناني حاضرًا في الحياة اليومية.
تسمعه في برامج التلفزيون، وفي مواقع التواصل، وحتى بين الشباب الذين يظن البعض أنهم تخلّوا عن “الحكمة القديمة”.

الأمثال اللبنانية اليوم تُستخدم أيضًا في:

  • النصوص الفنية
  • الدراما اللبنانية
  • الأغاني الشعبية
  • الخطب والمناسبات

خاتمة

الأمثال اللبنانية ليست كلمات تُقال فقط…
إنها خلاصة تجارب وذكريات وخيبات وانتصارات.
هي المرآة التي يرى اللبنانيون أنفسهم فيها، وهي الخيط الذي يصل الماضي بالحاضر ويحفظ هويتهم الشفهية من الضياع.

Scroll to Top