⭐ الأحلام وتفسيرها في الثقافة اللبنانية

(المقال الثالث من سلسلة التراث الشعبي)

مقدمة

لطالما احتلّت الأحلام مكانة خاصة في المجتمع اللبناني، فهي ليست مجرد صور عابرة تظهر أثناء النوم، بل رسائل يُعتقد أنها تحمل دلالات، وتفسيرها جزء من التراث الشعبي المتوارث منذ عشرات السنين.
في القرى والبلدات اللبنانية، ما زال الناس يتداولون قصص “الحلم اللي بيحمل بشارة” و“الحلم اللي بدقّ ناقوس الخطر”، كما يتبادلونها بنفس الاهتمام الذي يستمعون فيه إلى التبصير بالفنجان أو قراءة الكف عند كبار السنّ.


لماذا كانت الأحلام مهمة عند اللبنانيين؟

يؤمن اللبنانيون قديمًا أن الحلم ليس صدفة. كانوا يقولون:
“النوم رسالة، والحلم جوابه.”
ولذلك اعتبروا أن:

  • الحلم مرآة للنفس
  • وإنذار قبل وقوع الأحداث
  • وبشارة للخير
  • وإشارة من القدر

وهذه المعتقدات لا تختلف كثيرًا عن عادات الشعوب المجاورة في الشرق، لكن الطابع اللبناني يضيف عليها روحًا شعبية مليئة بالقصص والأمثال.


أنواع الأحلام في الثقافة اللبنانية

1) حلم “البشارة” أو الخير الجايي

وهو الحلم الذي يعتقد الناس أنه يدلّ على رزق، خطوبة، شغل جديد، أو عودة غائب.
كانت الجدّات يكررن:
“إذا شفتي دهب… جهّزي حالِك لفرحة.”

2) حلم “التحذير”

يظهر عادة على شكل حادث، سقوط، أو فقدان شيء.
يُقال في القرى:
“الحلم اللي بيخضّ… بيعدّل طريقك.”

3) حلم “الشخص الغائب”

إذا ظهر شخص ميّت أو مسافر، فغالبًا يرتبط الحلم برسالة مهمّة.
كانوا يعتبرون الزيارة في المنام “حقّ” لا يُهمل.

4) حلم “الدلالات اليومية”

مثل رؤية البحر، المطر، البيوت، الطرقات…
وهي الأحلام التي تُفسَّر بناءً على رموز متفق عليها شعبيًا.


رموز الأحلام الأكثر شهرة في لبنان

البحر

  • هادئ → رزق وطمأنينة
  • هائج → ضيق أو مشكلة قريبة

الحلقة الذهب

  • بشارة
  • خطوبة
  • عودة وردية بعد خصام

البيت الكبير

  • توسّع رزق
  • تغيّر في حياة العائلة

الطريق

  • واسع → فتح أبواب جديدة
  • ضيّق → عرقلة أو انتظار

الميّت

في الثقافة اللبنانية يُعتبر ظهوره:

  • رسالة
  • أو “وصيّة”
  • أو طلب صَلة أو زيارة قبر

كيف كان يتمّ التفسير؟

لم يكن اللبنانيون يستعينون بكتب أو مراجع مكتوبة.
كان التفسير يتمّ عبر:

  • الجدّات وكبار السنّ
  • المختار أو شخص معروف بالحكمة
  • الخوري أو الشيخ إذا كان الحلم ثقيلًا
  • نساء يُعرفن بـ“القارئات” اللواتي يفسّرن أيضًا الفنجان والكف

كان تفسير الحلم يبدأ غالبًا بسؤال:
“متى حلمتِ؟ قبل الفجر أو بعده؟”
لأنهم كانوا يؤمنون أن حلم ما قبل الفجر “أصدق”.


الحلم بين الماضي واليوم

اليوم تغيّر الزمن، لكن بقيت الأحلام جزءًا من يوميات اللبنانيين.
حتى في المدن، ما زالت القصص تُروى صباحًا مع فنجان القهوة، تمامًا كما يُروى ما حصل في التبصير بالفنجان أو التفاصيل الغامضة التي تظهر عند قراءة الكف.

وبالرغم من التكنولوجيا والحداثة، بقيت الأحلام مساحة للتأمل، والبحث عن معنى، ومحاولة فهم الذات.


لماذا بقي تفسير الأحلام حيًا في الذاكرة الشعبية؟

  • لأنه مرتبط بحكايات العائلة
  • لأنه يعطي شعورًا بالطمأنينة
  • لأنه جزء من الهوية الثقافية
  • ولأن الإنسان بطبيعته يحبّ فهم الأشياء الغامضة

أمثلة من القصص الشعبية

في الروايات الشعبية اللبنانية، نسمع كثيرًا:

  • “حلمت بميّيتي وقالتلي ديري بالك”… وتحققت!”
  • “شفت البيت ضيّق… وبعد أسبوع خسرنا الشغل.”
  • “رأيت نورًا… وبعدها وصل خبر سعيد.”

هذه القصص رغم بساطتها، هي سبب بقاء هذا التراث حيًا حتى اليوم.


خاتمة

الأحلام في الثقافة اللبنانية ليست مجرد صور عشوائية، بل جزء من الذاكرة الجماعية التي تجمع الناس حول قصة، رمز، أو إشارة يفسّرونها على طريقتهم.
وتمامًا مثل الفنجان و الكف، تبقى الأحلام مساحة بين الخيال والواقع، بين المعلوم والغيب، تجذب القلوب وتروي حكايات الأجداد والجدّات في كل بيت لبناني.

Scroll to Top