كورال المشرق العربي… جوقة بيروت التي تعيد للأذن سحر الشرق

مقدمة

من قلب بيروت ، المدينة التي لا تنام ، يخرج صوتٌ مختلف ، صوتٌ جماعي يختصر هوية المشرق وعراقته . إنّه كورال المشرق العربي ، الذي وُلد عام 2017 ليحمل رسالة فنية عابرة للأزمنة ، ويعيد إلى الذاكرة أصوات الجدات في المضافات ، وموشحات الأندلس ، وأناشيد الفرح والرجاء .
كورال لا يكتفي بالغناء ، بل يبني جسرًا بين الماضي والحاضر ، بين الطرب الأصيل والإبداع العصري ، فيلوّن مسارح بيروت بأنغام تنبض بالحنين والجمال .


خمسون صوتًا… كأنهم قلب واحد

يضم الكورال نحو خمسين منشدة ومنشدًا ، تتوزع أصواتهم على طبقات موسيقية تتقن المقامات الشرقية بحرفية . تحت قيادة المايسترو إبراهيم البمباشي ، يتحول الأداء إلى لوحة فسيفسائية حيث يذوب الفرد في المجموع ، فلا يُسمع صوت منفرد ، بل نسيج متكامل يشبه نهرًا يجري بلا انقطاع .
إنها تجربة سماع تُذكّر بأن القوة لا تأتي من الصخب، بل من التناغم والتكامل، وكأن كل عضو في الكورال هو آلة موسيقية بشرية تنفخ الحياة في الموشحات.


هوية تتجاوز الغناء

لا يقدّم كورال المشرق العربي عروضًا موسيقية وحسب، بل يرفع رسالة ثقافية تسعى إلى:

  • حماية التراث من الضياع وسط موجة الموسيقى التجارية السريعة.
  • تقديم الموشحات بروح جديدة تُلامس شباب اليوم من غير أن تفقد نكهتها الأصيلة.
  • تعزيز صورة لبنان كبلد يحتضن الفنّ والإبداع، ويقدّم للعالم وجهًا حضاريًا مشرقًا.

أداؤهم يثبت أنّ الغناء الجماعي قادر على حمل قضايا الهوية والذاكرة، ليصبح أكثر من مجرد طرب؛ يصبح شهادة حيّة على عظمة الثقافة العربية.


مسارح بيروت… حين تصير الخشبة معبدًا

على خشبة مسرح المدينة في الحمرا، وقف الكورال أكثر من مرة ليحوّل القاعة إلى فضاء روحاني. بلا مؤثرات رقمية ولا أصوات مُعلّبة، يصدحون حيًا بكامل طاقتهم، ليبرهنوا أنّ الفن الحقيقي لا يحتاج إلى تجميل صناعي.
الجمهور، صغيرًا كان أو كبيرًا، يخرج وفي قلبه دهشة: كيف لأصوات بشرية أن تصنع جدارًا من الألحان، يُغني عن كل آلة موسيقية؟


سحرٌ يلامس الروح

من يستمع إلى الكورال يشعر أنّه في رحلة: تبدأ بموشحٍ يقطر عذوبة، تمرّ بإنشادٍ يرفع الروح نحو السماء، وتنتهي بقطع جماعية تجعل القلوب تخفق معًا.
ذلك السحر لا يأتي فقط من الأداء الفني، بل من الصدق؛ فالمنشدون يغنون بقلوبهم قبل حناجرهم، لذلك يخرج صوتهم نقيًا، صادقًا، يلامس القلب مباشرة.


حضور رقمي وإنجازات فنية

لم يقتصر نجاح كورال المشرق العربي على المسارح فحسب، بل امتد أيضًا إلى المنصات الرقمية حيث يحظى بمتابعة واسعة على فيسبوك و إنستغرام و يوتيوب. مقاطع الفيديو التي ينشرها الكورال من حفلاته تحصد آلاف المشاهدات، وتلقى إعجاب الجمهور الذي يرى فيه نافذة على التراث الأصيل.

وقد شارك الكورال في عدة مناسبات دينية وثقافية ووطنية داخل لبنان وخارجه، مقدمًا لوحات إنشادية مبهرة. هذا الحضور عزّز مكانته كواحد من أبرز الفرق الغنائية الجماعية في المنطقة.

إنه كورال لا يكتفي بإحياء الأمسيات، بل يترك أثرًا في ذاكرة كل من استمع إليه، ويُرسّخ صورة الفن اللبناني كقوة ناعمة قادرة على مخاطبة العالم.

الخاتمة

في زمن تختلط فيه الأصوات وتضيع فيه المعايير، يظلّ كورال المشرق العربي علامة مضيئة في المشهد الفني اللبناني والعربي. من بيروت، يبعث رسالة أن التراث ليس مجرّد ماضٍ نحتفظ به في كتب التاريخ، بل هو حاضر حيّ يمكن أن يتجدد ويزدهر مع كل جيل جديد.
كورال المشرق العربي ليس مجرد جوقة، بل هو وعدٌ بصوتٍ جماعي يوحّد القلوب قبل أن يُطرب الآذان.


 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top